Language

مصادر الطاقة المتجددة: التطورات التقنية والاقتصادية


مصادر الطاقة المتجددة: التطورات التقنية والاقتصادية

(عربيا وعالمياً)
د. هشام الخطيب
نائب الرئيس الفخري – مجلس الطاقة العالمي
مقدمة
تشكل كل من الطاقة المتجددة والطاقة النووية المصادر الرئيسية للطاقة العالمية خارج الطاقة الأحفورية وهناك اهتمام عالمي كبير بهذين المصدرين (وخاصة الطاقة الجديدة والمتجددة) كمصادر مستقبلية للطاقة بحيث تكون بديلا للطاقة الأحفورية والتي تسعى عديد من الدول وخاصة الدول الصناعية استبدالها بهذه المصادر الجديدة. إن الدافع الرئيسي الأول للاهتمام بالطاقة المتجددة هو الدافع البيئي للحد من الغازات المنبعثة وخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون. كما أنه كان الدافع الأول لإقرار اتفاقية كيوتو وأيضاً السير في اتجاهات تشريعية في السوق الأوروبية المشتركة تستهدف أن تلعب الطاقة المتجددة دوراً متزايداً في تزويد الطاقة في الدول الأوروبية بحيث لا تقل مساهمتها عن 12% من مصادر الطاقة الأولية في عام 2012 (وهو أمر مستحيل التحقيق الآن). ونتيجة لذلك فقد كان هناك تأثير واضح على استعمال الطاقة الأحفورية وخاصة في الدول الأوروبية. إلا أنه كما سيتبين من هذه الورقة فإن هذه اعتبارات مبالغ بها.
تستعرض هذه الورقة بشكل سريع أمور الطاقة الجديدة والمتجددة (وتسمى فيما يلي بالطاقة المتجددة) ومستقبلها في منظور الطاقة العالمية وإمكانياتهما العربية وربط كل ذلك باحتياجات التنمية المستدامة في الدول العربية . والانتقال من ذلك كله إلى كل ما يتعلق بما تم من أساليب لتشجيعها ضرائبياً وبيئياً.
الطاقة المتجددة
من الضروري البدء بتعريف ماذا تعني "الطاقة المتجددة" إذ إن لها العديد من التفسيرات، إلا أنه يمكن تحديد ذلك بثلاثة مكونات :
(1) الطاقة المتجددة التقليدية (غير التجارية)
وهو من مصادر الطاقة التي كانت شائعة في القرون الماضية خاصة قبل ظهور النفط وتعتمد على استعمال مواد الكتلة الحية biomass التي تنتج وتجمع محليا (مثل مخلفات المحاصيل، والخشب، وروث الحيوانات... الخ) وعلى الرغم من أن معظم دول العالم قد انتقلت بسرعة من استعمال هذا المصدر إلى استعمالات الطاقة الأحفورية منذ بدء استعمال الفحم في القرن التاسع عشر وانتشار استعمال النفط في القرن العشرين، إلا أن الطاقة المتجددة التقليدية القائمة على الكتلة الحية لا تزال مصدرا وحيدا للطاقة لأكثر من 2 بليون نسمة يعيش معظمهم في جنوب آسيا وفي أواسط إفريقيا. وتصل كمياتها المستعملة إلى أكثر من 1110 مليون طن مكافئ نفط (م.ط.م.ن) سنويا (أنظر الجدول 1) وبالتالي فإنها تشكل حوالي 10% من المصادر الأولية للطاقة العالمية والتي تقدر بحوالي 11500 م.ط.م.ن. علماً بأنه من الصعب جداً تقدير كميات الكتلة الحية عالمياً، وهذه الأرقام هي الأرقام العالمية التقديرية فقط.
(2)  مصادر الطاقة المتجددة الجديدة  New Renewables
وتشمل هذه ما طوّر حديثا من الوقود الحيوي biofuels ، وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، وطاقة المحيطات والطاقة الجوفية .
 (3) الطاقة المائية (الكهرومائية) من السدود وانسياب الأنهار.
الطاقة المتجددة في المنطقة العربية
بشأن البند الأول وهو الطاقة المتجددة التقليدية (الكتلة الحية) فإن استعمالاتها محدودة في الوطن العربي وتقتصر على الطبقات الريفية الفقيرة في بعض الدول العربية محدودة الدخل وخاصة في إفريقيا (الريف السوداني، والصومال وموريتانيا وكذلك الريف المغربي) وهي قليلة الاستعمال في الدول العربية في آسيا (باستثناء الريف اليمني) لانتشار الوقود الأحفوري. وتستعمل الطاقة المتجددة التقليدية في الريف العربي لغايات الطبخ والتدفئة. إلا أن قيمتها في هذا المجال آخذة بالتراجع      للتقدم السريع المستمر في استعمال غاز النفط المسال Liquefied Petroleum Gas (LPG)  لغايات الطبخ (وأيضاً التدفئة في بعض الحالات) في معظم أنحاء العالم العربي بما في ذلك المناطق الريفية. وبالتالي فإن قيمة الطاقة المتجددة التقليدية كمصدر رئيسي للطاقة في الدول العربية (كما كان الأمر في النصف الأول من القرن العشرين) قد تراجعت جدا وهي حاليا لا تشكل إلا نسبة ضئيلة ومتناقصة من مصادر الطاقة في البلاد العربية. وحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن نسبة استعمالها في البلاد العربية تشكل 18%[1] من الطاقة العربية المستهلكة معظمها في بعض الدول العربية الإفريقية (السودان، الصومال، موريتانيا، المغرب). إن إجمالي استهلاك الطاقة في العالم العربي عام 2005 تقدر بحوالي 400 م.ط.م.ن. إذا اعتبرنا هذه النسبة فإن الكتلة الحية في المنطقة العربية تشكل حوالي 72 م.ط.م.ن. أن الأرقام الحقيقية قد تكون أقل من ذلك.  

إن البلاد العربية غنية جدا بمصادر الطاقة الشمسية وبعض الدول العربية غنية أيضا بمصادر طاقة الرياح، إلا أن استعمالات الطاقة الشمسية لا تزال محدودة في العالم العربي نتيجة لبطء تطوير التكنولوجيا المتعلقة بها واستعمالاتها ومحدودية اقتصاديات الطاقة الشمسية. ولا تزال استعمالات الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة في العالم العربي محصورة في تدفئة المياه في بعض الدول (مثل الأردن) وأيضا في الخلية الفولطية photo-voltaic (PV) . أن هذا ناتج بصورة رئيسية عن توفر الوقود الأحفوري بكميات كبيرة وبأسعار مدعومة في كثير من الحالات في جميع الدول العربية (وكذلك غاز البترول المسال LPG)  مما لا يدع إلا مجالا محدودا لأي تطوير جدي اقتصادي للطاقة الشمسية، ولقد جرت محاولات عديدة لإنشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية تعمل على الطاقة الشمسية بواسطة التسخين عن طريق المرايا العاكسة، إلا أن هذه التكنولوجيات لا تزال في مراحلها الأولى كما أن جدواها الاقتصادية مشكوك بها (عربياً وعالمياً). 
ونظرا لغنى المنطقة العربية بالنفط والغاز فلا يتوقع أن تجد مصادر الطاقة الشمسية استعمالات جدية كثيفة خلال المستقبل المنظور (حتى عام 2020). وينطبق الشئ نفسه على طاقة المحيطات والطاقة الجوفية ذات المصادر المحدودة جدا في البلاد العربية. كما أن تطوير استعمالات الوقود الحيوي biofuels  محدود نتيجة لمحدودية الزراعة والمياه في البلاد العربية، إلا أنه بدأ تدريجيا إنتاج الغاز الحيوي biogas  من مكبات النفايات بكميات متواضعة إلا أنها متزايدة .
أيضاً بدأ العديد من الدول العربية (مصر، المغرب، وسورية، والأردن) في استغلال طاقة الرياح بصورة تجارية، وتم إنشاء مزارع كبيرة لطاقة الرياح في كل من مصر وسورية وأيضا في المغرب. وبصورة عامة فإن تكاليف إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح عالميا منافسة تجاريا لتكاليف إنتاج الكهرباء من مصادر الوقود الأحفوري والنووي، إلا أن فرص طاقة الرياح في الدول العربية لن تكون كبيرة في المستقبل المنظور لتوفر الغاز الطبيعي في معظم الدول العربية وبكميات كبيرة وأسعار رخيصة وكلفة بديلة متدنية  low opportunity cost  مما يجعل إنتاج الكهرباء من وقود الغاز الطبيعي العربي أرخص أساليب إنتاج الكهرباء، وخاصة أن مصادر الرياح تعاني من تقطعها وعدم استمراريتها وبعض تأثيراتها البيئية السلبية (مثل الصوت والحاجة لأراضي) وبالتالي فإن طاقة الرياح ولو أنها في مرحلة انتشار في العالم وفي البلاد العربية أيضا إلا أن مساهمتها في إنتاج الطاقة في البلاد العربية ستظل محدودة .
الطاقة المائية – الطاقة الكهرومائية Hydroelectric
إن الطاقة الكهرومائية مصدر رئيسي لإنتاج الطاقة على المستوى العالمي حيث يصل إنتاجها إلى حوالي 3000 تيرواط ساعة (TWh) عام 2002  وبالتالي فهي تشكل حوالي 18% من إنتاج الكهرباء في العالم، كما أن نموها خلال السنوات الأخيرة كان أعلى قليلا من معدل نمو الطلب على الطاقة عالميا. وتوجد في العالم مصادر واسعة جدا لزيادة استغلال الطاقة المائية إلا أن تكاليفها وبعدها عن مصادر الاستهلاك يحول بينها وبين الاستثمار. كذلك فإن الطاقة المائية تعاني من مشاكل بيئية كبيرة ناتجة من غمرها لمناطق واسعة مما يتطلب تحريك وإعادة إسكان أعداد كبيرة من الناس بعد تنفيذ السدود.
تشكل الطاقة المائية مصدرا محدودا للطاقة في البلاد العربية لمحدودية المياه والأنهار في المنطقة ويقدّر إنتاج الطاقة المائية العربية بحوالي 28 ألف جيجاواط ساعة (GWh) ولا يشكل إلا 12% من إنتاج الكهرباء في العالم العربي (AUPTDE 2004)، وهي نسبة آخذة في التراجع نتيجة تزايد الإنتاج من مصادر الطاقة الأحفورية، وينحصر إنتاج الطاقة الكهرومائية في بعض الدول العربية ذات الأنهار كما هو مبين في الجدول رقم (1).
جدول رقم (1)
إنتاج الطاقة الكهرومائية العربية (2004)
الدولة
إنتاج الطاقة الكهرومائية
(جيجاواط ساعة)
النسبة إلى إنتاج الكهرباء
سورية
4247
13.5 %
لبنان
1122
11.0 %
مصر
13019
13.7 %
السودان
1107
29.5 %
المغرب
1600
9.7 %
العراق
5723
19.0 %
تونس
154
1.3 %
الجزائر
251
0.8 %
الأردن
53
0.6 %
مجموع الدول العربية
27276
12 %
__________
المصدر : إحصائيات الاتحاد العربي لمنتجي وناقلي وموزعي الكهرباء (2004) .

إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة في العالم العربي
إن إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة (غير المائية) في العالم العربي محدود للغاية نتيجة لاقتصاديات هذا المصدر المشكوك فيها ولانتشار الوقود الأحفوري واستعمال الغاز الطبيعي في إنتاج الكهرباء. إن القدرة المركبة (م. و. MW) والطاقة المنتجة (ج. و. س. GWH) من مصادر الطاقة المتجددة بجميع أشكالها موضحة في الجدول التفصيلي في الملحق رقم (1) والذي يمكن تلخيصه كالتالي:
جدول (2)
قدرة وإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة العربية عام 2004

قدرة (م. و)
إنتاج (ج. و. س)
مائية
رياح وشمسية
مائية
رياح وشمسية
الطاقة المتجددة
9120
214
27276
614
إنتاج الكهرباء العربي
122829
526785
الطاقة المتجددة في الإنتاج الكلي للكهرباء
7.6 %
5.3 %
المصدر: WEO 2004
من هذه الأرقام يتضح بأن إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة لا يتجاوز 5.3% من مجمل إنتاج الطاقة الكهربائية في العالم العربي عام 2004 وهو إنتاج متواضع للغاية وأقل من المعدلات العالمية والتي تبلغ حوالي 16%. ولا يتوقع أن يزيد هذا الإنتاج في المستقبل بل يتوقع أن يتراجع نتيجة لمحدودية مصادر المياه وإمكانيات الطاقة الكهربائية في العالم العربي وأيضاً للاستثمار المحدود في إنتاج الكهرباء من المصادر الأخرى (الرياح، الطاقة الشمسية، ... الخ) لانتشار استعمال الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء في العالم العربي.
الطاقة المتجددة عالمياً
إن الطاقة المتجددة بجميع مصادرها وأشكالها (الطاقة المائية [الكهرومائية]، والكتلة الحية، والطاقة الشمسية بما في ذلك طاقة الرياح، والجوفية geothermal)  تشكل نسبة متزايدة من إنتاج الطاقة في العالم، وحاليا تمثل الطاقة المائية والكتلة الحية حوالي 15.2% من إنتاج الطاقة العالمية (IEA-Renewable Information 2003).
أن الإنتاج الكهربائي للطاقة المائية يبلغ حوالي 3000 تيراواط ساعة عام 2003، وهو أكثر قليلا من إنتاج الطاقة النووية ، ويعتبر هذا الإنتاج (حرارياً) مساويا لحوالي 250 م.ط.م. ن من الوقود سنوياً، إلا أنه يوفر حوالي 640-680 م.ط.م.ن.  
تبلغ إمكانيات إنتاج الطاقة المائية عالميا نظريا حوالي 14000 تيراواط ساعة من الكهرباء سنويا وهو ما يقارب إنتاج الطاقة الكهربائية في العالم حاليا(WEC 1998) . إلا أنه لأسباب اقتصادية وبيئية فإن معظم هذه الطاقة لن يستغل. مع ذلك فإن الطاقة المائية ستستمر في التطور فهي أهم مصادر الطاقة المتجددة إذ إنها نظيفة ورخيصة نسبيا وتتطلب كُلفاً بسيطة للتشغيل وكفاءة إنتاجها تقارب حوالي 100 % (معدل كفاءة الإنتاج من الوقود الأحفوري والنووي هي حوالي 33 %  فقط)، وبالتالي وفي السنوات القليلة القادمة فإن مساهمة الطاقة المائية في مصادر الطاقة العالمية قد ينمو بصورة أسرع من نمو إنتاج الطاقة العالمية .
إن مصادر الطاقة المتجددة غير الطاقة المائية كثيرة وأهمها الكتلة الحية biomass. إن الكتلة الحية التقليدية تشمل الخشب كوقود (وهو المصدر الرئيسي) وروث الحيوانات وفضلات الإنتاج الزراعي والغابات. إن نقص الإحصاءات الموثوقة كما ذكر سابقاً تجعل من الصعب التقدير الدقيق لمساهمة الكتلة الحية في الإنتاج العالمي للطاقة. لكنه يقدر بأن العالم قد

[1] إن هذه هي الأرقام الرسمية للأمم المتحدة (أنظر UNDP – HDR 2005) إلا أن خبرة الكاتب هي أن هذا الرقم مبالغ به كثيراً.




الصفحة التالية