Language

مستقبل توليد الكهرباء بالطاقة النووية3

9 ـ إقتصاديات الطاقة النووية
تعتبر الطاقة النووية كمصدر للكهرباء منافسة جداً لباقي المصادر.  في التسعينات من القرن الماضي انخفضت أسعار الوقود الأحفوري إلى درجات قياسية مما كاد أن يسلب الطاقة النووية بعض مميزاتها، ولكن ارتفاع أسعار النفط الحالية ـ الذي بلغ السبعون دولاراً للبرميل ومن المتوقع تأرجح وزيادة  أسعاره في المستقبل ـ قد قلب الميزان لصالح الطاقة النووية. وهناك جملة من الأسباب تدعو إلى التفاؤل باستخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء منها:
·               إن الطاقة المنتجة بالنسبة للمادة المستهلكة كوقود هي الأعلى بين المصادر الأخرى.
·               التكلفة منافسة للفحم ، أحد المصادر التقليدية الرئيسية لتوليد الكهرباء في العالم.
·              الوفرة المحتملة لليورانيوم كمادة لوقود المفاعلات وللبلوتونيوم كناتج ثانوي من إستخدام اليورانيوم.
·               كمية النفايات المنتجة نووياً هي الأقل من أي عملية أخرى لتوليد الكهرباء.
·               الطاقة النووية لها منافع أخرى غير توليد الكهرباء. 
وتعتمد التكلفة النسبية لمحطات توليد الطاقة الكهربائية على موقع هذه المحطة وقربها من مصادر الوقود، فمثلاَ سيظل الفحم ذا أفضلية اقتصادية بالنسبة لدول مثل الصين والولايات المتحدة واستراليا حيث وفرة الفحم محلياً وسهولة الحصول عليه وعدم وجود قيود على انبعاث الكربون. وكذلك يعتبر الغاز منافساً في بعض الأماكن خاصة إذا أقيمت المحطة على مصدر الغاز نفسه، ولكن يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار الغاز إلى إزالة هذه الميزة.  و تعتبر الطاقة النووية في أماكن عديدة منافسة لمحطات الوقود الأحفوري على الرغم من ارتفاع الكلفة الكلية لإنشاء المحطات النووية لتوليد الكهرباء خاصة إذا أضيفت إليها تكاليف التخلص من النفايات وتفكيك المحطة بعد انتهاء عمرها. وبنفس القدر إذا أضيفت التكاليف الصحية والبيئية إلى محطات الوقود الأحفوري فإن خيار استخدام الطاقة النووية يصبح أمراً تجدر دراسته واعتماده.
ولإجراء مقارنة دقيقة بين تكلفة الطاقة النووية مع غيرها من مصادر الطاقة يجب أخذ التكاليف الآتية في الحسبان :
·              تكاليف الوقود :  وهي التكاليف المتعلقة بالوقود المستخدم لإنتاج الطاقة الكهربية من مرحلة التنقيب إلى تصنيع مجاميع الوقود ثم التحميل في المفاعل بالإضافة إلى تكاليف النقل. والجدير بالذكر أن تكاليف نقل الوقود الأحفوري أعلى بالنظر إلى أن كمية المادة المنقولة كبيرة حيث أنه من المعلوم أن الوقود المطلوب لإنتاج نفس الطاقة أكثر بكثير في حالة الوقود الأحفوري. والجاذبية الأساسية للطاقة النووية هي قلة تكلفة الوقود مقارنة بالمصادر الأخرى ويذهب ثلثا التكلفة في التخصيب وتصنيع الوقود. فكلفة الوقود بالنسبة للكلفة الإجمالية للمحطة صغيرة نسبياً ولذلك فإن زيادة أسعار الوقود تكون ذات تأثير قليل، فمثلاً عندما يتضاعف سعر الكعكة الصفراء (U38)  قد يزداد سعر الوقود في مفاعلات الماء الخفيف بنسبة 30% وسعر الكهرباء المنتجة بنسبة 7% فقط، في حين أن مضاعفة سعر الغاز يزيد من سعر الكهرباء بنسبة 70% ومضاعفة سعر الفحم يزيد من سعر الكهرباء بنسبة 31%.
والجدول الآتي (جدول رقم 6) يبين السعر التقريبي بالدولار الأمريكي للحصول على كيلوغرام من وقود المفاعل UO2 في سنة 2004:
جدول رقم (6)
U3O8
8 كلغ x 45 $
360
التحويل
7 كلغ U x 9 $
60
التخصيب
4.3 SWU x 105 $
450
تصنيع الوقود
لكل كلغ
240
الإجمالي التقريبي 1110 US$

والكيلو غرام الواحد من الوقود يولد 315,000 كيلو واط ساعة أي بكلفة 0.35 سنت لكل ك.و.س. 
·         تكاليف الإنشاء : وهو رأس المال المخصص للإنشاءات الابتدائية والتعديلات اللازمة وتحتسب في تكاليف الطاقة الكهربائية المنتجة إلى أن تسدد على مراحل. وقد تكون هذه التكاليف أعلى منها في الطاقة النووية من باقي المصادر نظراً لأن المباني المحتوية لمفاعلات القوى والأجهزة المتعلقة بالسلامة لها متطلبات قياسية عالية تختلف عنها في المباني الاعتيادية. وهذه الاعتبارات غير ذات أهمية في المصادر الأخرى. ومن ناحية أخرى فإن محطات الوقود الأحفوري يجب أن تضمن تكاليفها تكلفة إزالة الملوثات الهوائية وآثارها الصحية والبيئية فإذا ما ضمنت فإن سعر الكهرباء من هذه المصادر سيتضاعف.
·         تكاليف التشغيل و الصيانة : وهي التكاليف اليومية المتعلقة بتشغيل المحطة النووية لتوليد الكهرباء وتشمل:
1 ـ العمالة بتخصصاتها المختلفة والمصاريف العامة مثل الطبابة والتقاعد.
2 ـ المواد المستهلكة  والصيانة.
3 ـ مصاريف التراخيص ( تكلفة الترخيص لمفاعل قوى تبلغ 3 مليون دولار والترخيص لمصنع وقود نووي 1.3 مليون دولار) والتفتيش والرسوم التي تدفع للدولة مقابل الصحة وخطط الطوارئ وغيرها.
4 ـ ضرائب الممتلكات المحلية التي قد تصل إلى 15 مليون دولار في السنة للمحطة.
·         تكاليف متعلقة بالنفايات : وهـي التكاليف المرتبطة بالتعامل مع المنتجات الثانوية لإحتراق الوقود. فعندما يكون الوقود فحماً تكون النفايات رماداً. أما في المحطات النووية فتؤلـف من الوقود المستخدم ومن بعض النفايات المشعة. وفي اقتصاديات المحطات النووية فإن تكاليف تخزين الوقود المستخدم والتخلص النهائي من النفايات المشعة تكون تكاليف داخلية أي متضمنة في رأس مال المحطة على خلاف غيرها من المحطات وتساهم بحوالي 10% من التكلفة الإجماليـة للمحطة لكل كيلو واط ساعة وتقل في حالة التخلص المباشر وعدم إعادة معالجة الوقود.
·         تكاليف التفكيك: وهي التكاليف المتعلقة بإعادة موقع المحطة إلى حقل نظيف بيئياً بعد تفكيك معدات المحطة المنتهية صلاحيتها وتتم العملية في فترة زمنية طويلة وقد يعاد استخدام بعض أجزائها في محطات أخرى. أما الأجزاء الأخرى فقد تمر بعمليات إزالة تلوثها أو التخزين الآمن لها أو دفنها وتقدر كلفة التفكيك بنسبة 9 إلى 15% من الكلفة الإجمالية لإنشاء المحطة وحتى عند إسقاط هذه الكلفة من الحسبان فإن أسعار الكهرباء لا تتأثر كثيرا.ً
ومفاعلات القوى بشكل عام باهظة تكاليف الإنشـاء ولكن تكاليـف التشغيل قليلـة نسبيـاً وتعتمد المنافسة الاقتصادية على عدة عوامل منها بناء المحطة في الوقت المحدد والسرعة المطلوبة وتشغيلها بسعات عالية على فترات طويلة من الزمن، وبالمقابل فإن محطات الغاز والنفط رخيصة وسريعة البناء ولكن تشغيلها مكلف نتيجة كلفة وقودها.  ومن العوامل التي تؤثر أيضـاً على التكلفة وبالتالي على أسعار الكهرباء المنتجة بالطاقة النووية هي أوقات التوقف للصيانة وهي شهر في السنة أو السنتين تقريباً وكذلك عمر المحطة (35-40 سنة) وفي بداية إنشاء المحطـة تكون أسعـار الكهرباء المنتجة مرتفعة نسبياً ولكن بعد تسديد كل الديون المستحقـة عليها يبدأ السعـر في الانخفـاض وتعتبـر معظم محطات الطاقة النووية العاملة الآن مستوفية الديـون ولذلك فـإن أسعار الكهرباء بالنسبـة لهـا هي الأقل على الإطلاق.  فمثلاً، وبمقارنـة بسيطة لسعر الكيلو واط ساعة بالسنت في دول الإتحاد الأوروبي سنة 2002، فإننـا نجـد سعرها في المحطات النووية مستوفية الديون 1.2 سنت وفي المحطات النووية الجديدة 2.4 سنت وفي محطات الغاز منخفضة سعر الوقود 2.7 سنت ومحطات طاقة الرياح 4.8 سنت.
وفي الولايات المتحدة فإن متوسط تكلفة توليد الكهرباء بالطاقة النووية سنة 2004 بالسنت لكل كيلو واط ساعة (الشكل 13) هي 1.69 ، بالفحم 1.9 ، الغاز الطبيعي 5.87 ، وبالنفط 5.39 سنت/ك.و.س.
شكل 13
 أسعار الطاقة في الولايات المتحدة

وسيظل المصدر النووي للطاقة الكهربية منافساً اقتصاديا قوياً لمصادر الوقود الأحفوري على مدى العقود المقبلة إلا في حالة قرب المحطات من مصادر الوقود منخفضة السعر مثل أستراليا حيث المحطات قريبة من مناجم الفحم والتجمعات البشرية، كما توجد كميات كبيرة من الغاز متوفرة بسعر منخفض.
· الطاقة النووية و إزالة ملوحة المياه
معظم محطات إزالة ملوحة مياه البحر العاملة اليوم في العالم تستعمل الوقود الأحفوري مما يساهم في زيادة انبعاث الغازات الدفيئة. وتقدر كمية المياه المنتجة بإزالة ملوحة مياه البحر على مستوى العالم بـ 30 مليون متر مكعب كل يوم من المياه الصالحة للشرب في 12500 محطة ما يقارب من نصفها في الدول العربية.
والتقنيات الرئيسية المعروفة لإزالة الملوحة هي تقنية التبخير الوميضي متعدد المراحل (MSF) والتناضح العكسي (RO) و الطريقة الأولى تعطي مياه أنقى ولكن الثانية تتفوق في الكمية.
طريقة التناضح العكسي تحتاج إلى 6 ك.و.س. من الكهرباء لكل متر مكعب بينما تقنية التبخير الوميضي متعدد المراحل تحتاج إلى حرارة عند 70– 130 درجة مئوية و 25-200 ك.و.س.
وتختلف مصادر الحرارة والكهرباء حسب نوع المحطات المستخدمة ووقودها.
وقد تكون المفاعلات النووية صغيرة و متوسطة الحجم مناسبة لإزالة الملوحة بالكهرباء المولدة بواسطة البخار منخفض الضغط من التوربين و ماء البحر الساخن الداخل عبر دوائر التبريد النهائية.


10 ـ الطاقة النووية و البيئة 
لقد أعطت الطاقة الذرية كمصدر لتوليد الطاقة الكهربائية فوائد جمة للبيئة، وبالتحديد فإن الطاقة النووية لا تساهم في رفع درجة حرارة الأرض عن طريق انبعاث الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون. وكذلك فإنها لا تنتج أي من أكاسيد الكبريت أو النيتروجين أو الجسيمات الملوثة للبيئة. فعندما تنتج الكهرباء بالطاقة النووية فلا شيء يحترق بالطريقة التقليدية فالحرارة تنتج بطريقة الإنشطار لا الأكسدة. في حين نجد في حالة محطات الوقود الأحفوري إنبعاث كميات هائلة من الغازات الملوثة للبيئة نتيجة احتراق الوقود كما يبقى أطنان من الرماد. ويمكننا تصور أن ال 16% من كهرباء العالم المنتجة بالطاقة النووية توفر على العالم إنتاج 1.8 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون المتسبب في دفيئة العالم ويمكن تجنب المزيد منه ببناء محطات نووية جديدة أو ترقية المحطات القائمة وإطالة عمرها. وفي أوروبا وحدها يتم توفير نصف مليار طن من ثاني أكسيد الكربون أي ما يكافئ إنبعاثه من 75% من كل سيارات أوروبا. ونفايات المحطات الكهرونووية مشعة صلبة لكنها صغيرة الحجم والكتلة مقارنة بكمية الكهرباء المنتجة. وهذه النفايات متحكم فيها منذ البداية إلى حين التخلص منها نهائياً، على خلاف محطات الوقود الأحفوري التي لا يتحكم في نفاياتها التي تنطلق مباشرة إلى الجو. وإذا ما زودت المحطات الأحفورية بأجهزة أو إجراءات تتحكم في التلوث فإن كلفة بنائها وإدارتها ستزيد ولا شك على المالك والمستفيد على حد سواء. ويعتبر الهم الأساسي في توليد الكهرباء هو إنبعاث ثاني أكسيد الكربون، العنصر الأساسي في ظاهرة الانحباس الحراري وثاني أكسيد الكبريت المسبب لنزول الأمطار الحمضية وأكاسيد النيتروجين ذات التأثير السلبي على طبقة الأوزون. إن قضية ما إذا كانت الطاقة النووية تمثل مكسباً إيجابياً للبيئة بالمقارنة بغيرها تعتمد على القيمة الموضوعة للتصرف في النفايات التي ينتجها كل نوع من الوقود وكمية الملوثات المنبعثة منها. تمثل الطاقة النووية فائدة عظيمة للبيئة من حيث أنها تقلص بشكل نهائي الملوثات الجوية كما قدرت وكالة حماية البيئة متوسط مستوى انبعاث بعض الغازات لكل ميغا واط ساعة وفقاً للجدول (رقم7) التالي

جدول رقم (7) : انبعاث بعض الغازات لكل ميغا واط ساعة بالرطل
نووية
فحم
نفط
غاز طبيعي

0
2249
1672
1135
ثاني أكسيد الكربون
0
13
12
0.1
ثاني أكسيد الكبريت
0
6
4
1.7
أكاسيد النيتروجين

وممّا لاشك فيه إن إحلال الطاقة النووية شيئاً فشيئاُ محل باقي المصادر وخاصة الفحم  سيخفض بشكل جوهري انبعاث الغازات الدفيئة والحمضية والعناصر الجسيمية الملوثة للبيئة. ولكن الصرف على تقنية التحكم في الملوثات البيئية في محطات الوقود الأحفوري قد يكون خياراً آخراً أيضاً.
ويقدر إنبعاث ثاني أكسيد الكربون من محطات الوقود الأحفوري ب 25 مليار طن في السنة حوالي 40% منها تنبعث من الفحم وحده و43 من النفط والغاز والباقي من مصادر الطاقة الأخرى.
شكل 14
إنبعاث ثاني أكسيد الكربون من مصادر الكهرباء المختلفة
والنسب المبينة في الشكل 14 توضح مدى حاجة العالم الماسة لاستخدام الطاقة النووية. كما يمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك لنقول أن العالم قد يبقى أمام خيار وحيد من أجل تجنب الأثر الكارثي على الحياة جراء انبعاث غازات الدفيئة  فكل 22 طن من اليورانيوم تستخدم كوقود توفر على العالم مليون طن من ثاني أكسيد الكربون.
11 ـ الطاقة النووية في الوطن العربي
لن تشكل الدول العربية واقعاً مناقضاً لواقع الدول الأخرى المتقدمة منها أو التي هي في طور النمو. 
إن التزايد السكاني بدرجة عالية (نسبة إلى الدول الغربية) وتزايد الحاجة للطاقة بسبب التغيّر في أسلوب الحياة والاستثمارات السياحية والخدماتية والصناعية تحتم زيادة ملحوظة في الطلب على الطاقة. ويظهر الجدول رقم (8) تطور الطلب على الطاقة الكهربائية في الدول العربية بين العام 1997 والعام 2002، كما يظهر أن هذا الطلب ينمو بشكل كبير تخطى نسبته ما يمكن ملاحظته في الدول الغربية. وتبذل الدول العربية جهوداً كبيرةً من أجل تأمين هذا الطلب الملح على الطاقة ودخلت في مشاريع للربط الكهربائي لتلافي أي نقص في الإمداد بسبب زيادة الطلب موسمياً أو نتيجة  توقف مجموعات توليد كهربائية للصيانة أو بسبب أعطال طارئة.
جدول رقم (8)
إستهلاك الدول العربية من الطاقة الكهربائية
جيجاواط ـ ساعة
الدولة
1997
1998
1999
2000
2001
2002
الإمارات
25500
30800
32900
35200
36200
37500
البحرين
4780
5200
5469
5515
5900
6254
تونس
6563
7015
7415
7637
7866
10363
الجزائر
16561
18165
19073
19836
20629
21454
السعودية
92228
97050
100932
108000
114912
120657
سورية
12931
14485
15397
16453
17425
18383
العراق
29160
29160
29160
29160
30035
30100
قطر
8400
8600
8600
8765
9116
9480
الكويت
22860
25753
26962
27463
29273
30737
ليبيا
9144
9684
9989
9977
10454
10977
مصر
52779
57106
60532
64500
67080
72446
الأردن
5281
5634
5946
6124
6308
6497
جيبوتي
161
155
150
160
168
175
السودان
2021
1991
2108
2164
2251
2433
عُمان
6900
7800
8000
8700
9040
9400
الصومال
230
230
240
250
250
260
لبنان
7325
7917
8630
8932
9245
9522
المغرب
11770
12453
13265
13942
14793
15580
موريتانيا
333
340
350
355
360
370
اليمن
2296
2501
2718
2968
3216
3408
الدول العربية الأخرى
36317
39021
41407
43595
45631
47645
ويظهر الجدول رقم (9) تطور إنتاج الكهرباء في الدول العربية حيث تظهر بعض الدول، لاسيما النفطية منها، استعداداً واضحاً لزيادة الإنتاج بنسبة تفوق نسبة تطور الطلب. كما تظهر دول أخرى تردداً واضحاً في زيادة  الاستثمارات في ميدان الإنتاج ونوءاً بثقل الكلفة الباهظة للإنتاج. وإن لم يكن متوفراً الآن إحصاءات عن الطلب على الطاقة الكهربائية وإنتاجها في العام الحالي إلا أننا نتوقع، ونظراً للزيادة الكبيرة التي طرأت على سعر برميل النفط، أن تزداد الضغوط الاقتصادية على الدول غير النفطية.
جدول رقم (9)
الطاقة الكهربائية المولّدة في الدول العربية
جيجاواط ـ ساعة
الدولة
1988
1999
2000
2001
2002
2003
الإمارات
33392
37126
39944
43172
46856
49450
البحرين
5773
5955
6297
6779
7278
7715
تونس
7609
7990
8256
8528
8955
9224
الجزائر
23379
25600
26368
27159
28517
29515
السعودية
114624
119015
126191
133674
144702
149767
سورية
21159
22819
25217
26712
28013
29543
العراق
30945
31563
31900
32251
33863
34000
قطر
8427
9271
9735
10222
10733
11160
الكويت
28175
29725
30617
31536
33112
34105
ليبيا
11915
12250
12678
13122
13778
14329
مصر
62336
67981
73311
75759
83003
88855
الأردن
6742
7081
7375
7544
8127
7988
جيبوتي
120
150
180
190
200
200
السودان
1375
1388
1450
1515
1591
1620
عُمان
8182
8410
8915
9450
9912
10320
الصومال
238
240
250
261
274
280
لبنان
8885
9152
9510
9881
10375
10680
المغرب
13745
14150
14570
15007
15757
16388
موريتانيا
442
455
451
476
499
538
اليمن
2904
3136
3414
3644
3769
4096
الدول العربية الأخرى
42633
44162
46115
47968
50504
52110
تملك دول عربية، والحمد لله، ثروة نفطية ومخزوناً كبيراً يجعلها تنأى حالياً عن التفتيش عن مصادر للطاقة بديلة للنفط. وهي وإن بدأت تشجع على استخدام طاقات متجددة كالشمس والرياح إلا أنها لم تضع إمكانات استثمارية كبيرة في هذه الميادين. إن وجود هذه الثروة النفطية عامل أساسي في عدم النظر في المستقبل القريب بأية خطط لبناء مفاعلات طاقة نووية، وهذا الأمر مبرر اقتصادياً .
إلاّ أن عاملاً آخراً يضغط على المنطقة العربية باتجاه عدم بناء منشآت نووية متطورة وهو العامل السياسي الذي فرض ما يشبه الحظر على منطقتنا من حيث الوصول إلى امتلاك بعض التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية لا سيما محطات الطاقة النووية
إن اتجاه أسعار الطاقة النووية نحو الانخفاض واتجاه أسعار النفط إلى الارتفاع (بسبب زيادة الطلب عليه) قد يؤدي إلى جعل أسعار الكهرباء المولّدة بالطاقة النووية مزاحمة لأسعار الكهرباء المولّدة بالوقود الأحفوري. وهذا الأمر قد يحّول دولاً عربيةً نحو استيراد الطاقة الكهربائية من الغرب، عبر تركيا أو عبر إسبانيا. وقد يكون هذا الأمر قد حصل فعلاً.
لقد وقعت كافة الدول العربية على كل الاتفاقيات التي تتعلق بعدم انتشار الأسلحة النووية. ويتوجب أن يكون ذلك كافياً لإقناع الآخرين بأن الدول العربية  ترغب وتستحق أن ترغب في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية.
وكما أسلفنا، يمكن أن نستخدم مفاعلات الطاقة النووية لإزالة ملوحة مياه البحر (بالإضافة إلى توليد الكهرباء) من أجل تأمين الطلب المتزايد على المياه العذبة للشرب، للمنازل وللزراعة. ومن دواعي التفاؤل أن عدداً من الدول العربية بدأت وبالتعاون مع دول أخرى أو مع مؤسسات دولية، دراسة جدوى لإزالة ملوحة مياه البحر بالطاقة النووية. ويؤمل أن تكون هذه الدراسات إيجابية بحيث توضع أمام متخذي القرار .. لاتخاذ القرار.
إلاّ أن القرار يبقى غير كاف إذ يجب أن يسبقه قرار بإعداد العلميين والمهندسين والفنيين القادرين على مواكبة بناء المحطات النووية وتشغيلها بكفاءة وأمان. ويمكن القول أن هذا القرار واجب اتخاذه بصرف النظر عما إذا كانت هناك خطط لبناء مثل هذه المحطات أم لا. فبدلاً من أن نوجه طلابنا نحو دراسات لا ولن تجدي، يتوجب أن يكون هناك توجيه نحو الدراسات النووية للأغراض السلمية. إن الحاجة لوجود  علماء ومهندسين وفنيين في ميدان الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية هي حاجة جلية وواضحة وكبيرة.
وتقوم الهيئة العربية للطاقة الذرية، بإمكاناتها الضئيلة بجهود واضحة، وبالتعاون مع هيئات الطاقة الذرية في بعض الدول العربية، بتدريب العشرات سنوياً من الشباب العربي مساهمة منها في إيجاد هذه النخبة من الباحثين العرب القادرين على مواكبة أي قرار بالولوج في عصر مفاعلات الطاقة النووية. 
12 ـ خاتمة
إن ازدياد الطلب على الطاقة في الدول الصناعية وفي عدد من الدول التي تتمتع بنمو اقتصادي مميز وبخزان ثري كبير (كالصين والهند) يدفع دول العالم إلى التفتيش عن مصادر طاقة مختلفة تأمينا للحاجة الملحة الحالية وتحسباً لما سيكون عليه الطلب في المستقبل القريب والبعيد في ظل التوقعات المتشائمة والمتفائلة عن الطاقة مستقبلاً وبشكل خاص عن مخزونات الوقود الأحفوري. وهذا يعني بأن الدول تقوم بشكل علمي وموضوعي بتحليل المعطيات المتوفرة حالياً للانطلاق نحو خطط مستقبلية لتأمين الطاقة المطلوبة لدعم اقتصادها وتأمين رفاهية أناسها.
ويضاف إلى هذا التحليل معطيات تتعلق بما يمكن أن يحصل في المستقبل أو في لحظات منه من اضطراب لسوق النفط نتيجة لكوارث طبيعية أو لظروف سياسية أو أمنية أو لزيادة غير متوقعة في الطلب على الطاقة.
إن اتجاه الدول نحو فتح كافة الخيارات الممكنة لمصادر الطاقة هو الجواب الوحيد الذي يمكّن هذه الدول من جعل اقتصادها ينمو بوتيرة طبيعية لا تخضع كثيراً لتقلبات صغيرة أو كبيرة في السوق الدولي للطاقة، لاسيما في السوق النفطية.
يضاف إلى هذه العناصر والتي تبدو اقتصادية بحتة، الضغوط التي تشكلها على الدول الاتفاقات الدولية التي تهدف إلى تخفيض انبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري وبالتالي تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري لاسيما الفحم الحجري بالدرجة الأولى والنفط بالدرجة الثانية . الجواب الوحيد للدول على هذه الضغوط هو الاتجاه نحو مصادر للطاقة أكثر نظافة كالطاقات المتجددة (الشمس، الرياح...الخ) والطاقة النووية.
وقد أظهرت الوقائع المتعلقة بالخيار النووي أن إمكانية التوجه نحو بناء محطات توليد كهرباء (أو إزالة ملوحة مياه البحر) بالطاقة النووية من أجل تأمين مصادر للطاقة مستقرة وكبيرة. ولكن هناك عقبات تقف أمام هذا الخيار تتمثل بما يلي :
ـ محدودية المخزون العالمي من اليورانيوم إذا لم تتم اكتشافات جديدة أو لم يتم تطوير أساليب جديدة لاستخراج اليورانيوم من مصادر غير تقليدية كمياه المحيطات.
ـ ضخامة الاستثمارات المطلوبة في العمل على اكتشافات جديدة لليورانيوم أو لبناء مفاعلات الطاقة النووية
ـ الضغوط التي تمارسها مجموعات بيئية أو مجموعات سياسية تعمل بشعارات بيئية
ـ نمو الطلب الكبير على الطاقة في مناطق معينة من العالم ومحاولة الدول تأمين مصادر جديدة للطاقة ببناء كم كبير من المحطات النووية لتوليد الكهرباء كما يحدث حالياً في الصين والهند.
ـ منع عدد كبير من الدول من الوصول إلى تكنولوجيا المفاعلات خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى مزيد من انتشار الأسلحة النووية.
ـ عدم سعي بعض الدول، لاسيما الدول العربية، إلى اعتماد الخيار النووي في تأمين مصادر الطاقة لأسباب تتعلق بما حباه الله لبعض هذه الدول من ثروة نفطية وغاز طبيعي ولعدم وجود إمكانات علمية أو مالية لدى دول عربية أخرى تسمح لها بمحاولة اعتماد هذا الخيار.
لقد صرح عدد من المسؤولين الكبار في الدول الصناعية بأن الحكمة تقضي بتنويع مصادر الطاقة على المستوى الدولي أو على مستوى كل دولة سواء كانت صناعية أم نامية. لذلك نرى من الضروري أن تبدأ الدول العربية بوضع استراتيجياتها المستقبلية في حقل الطاقة باعتماد كل الخيارات المتاحة كمصادر للطاقة ومنها خيار اعتماد الطاقة النووية في توليد الكهرباء وإزالة ملوحة مياه البحر.
والخطوة الأولى بهذا الاتجاه هي الشروع باتخاذ قرار يجعل تدريس العلوم النووية أمراً ضرورياً في الجامعات العربية في كليات الطب والصيدلة والعلوم والهندسة والبدء بتخريج باحثين ومهندسين وفنيين قادرين على الاستفادة من التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية في شتى الميادين الطبية والزراعية والصناعية وإنتاج الكهرباء وعلى تطوير هذه التكنولوجيا خدمة للاقتصاد الوطني وللمواطن العربي.
الصفحة السابقة
العودة للمكتبة